أيها الزملاء الأعزاء
أود أن أتقدم بجزيل الشكر والتقدير للجمعية العربية للبحوث الاقتصادية على تنظيمها هذه الندوة. وأود أن أعرب عن تقدير للمداخلات التي قدمت.
أود أن أعلق على مسالة الطريقة التي تمت بها تبني نهج اقتصاد السوق الاجتماعي في المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي.
إن الحديث الذي تفضل به الدكتور محمد سماق، وأنا أثني عليه، إلا أنني أريد أن أقول ما لم يقله ولاسيما مايتعلق بذلك النقاش الذي دار قبل انعقاد المؤتمر في حزيران 2005. النقاش الحقيقي حول النهج الاقتصادي في سورية جرى قبل دخول المؤتمرين إلى المؤتمر، وهو النقاش-الحوار الذي دار بين مختلف التيارات ضمن حزب البعث والقوى الرديفة للحزب والتي أيضاً شاركت بأعمال مؤتمره، وعل سبيل المثال اتحاد العمال واتحاد الفلاحين واتحاد الحرفيين وغيرها. وأيضاً القوى السياسية في الجبهة الوطنية التقدمية[1]. كما شارك في هذا الحوار بعض البعثيين الذين ينحون منحاً ماركسياً وأخرين ذوي توجهات بعثية ليبرالية.
إن أبرز الحوارات التي دارت كانت بين بعثيين "ليبراليين" وبين الدكتور منير الحمش الذي كان يقود تياراً معارضاً لاقتصاد السوق كنهج يمكن تبنيه في سورية، والذي كان يصر (الحمش) على فشله عالمياً وعدم صلاحيته محلياً، فيما ذهب الطرف الآخر إلى الإصرار بالقول بأننا في سورية نسير بخطى حثيثة نحو اقتصاد السوق الحر. وقد جرى الحوار على صفحات الجرائد المحلية ولاسيما تشرين والبعث.
كان اتحاد العمال في سورية مغلوب على أمره في هذه المسألة. إذا كان متهماً بأن خطابه خشبي، وأن مازال يردد شعارات الثمانينات التي عفا عليها الزمن، وبالتالي كان المطلوب تعديل خطابنا بما يتناسب مع التطورات العالمية، ولاسيما انهيار التجربة الاشتراكية في معقلها (الاتحاد السوفييتي وأوربا الشرقية) وحاجات التطور في سورية. وقد رفع اتحاد العمال رسالة إلى المؤتمر القطر العاشر للحزب وقال فيها: أننا نوافق على تبني اقتصاد السوق نهجاً اقتصادياً، ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار البعد الاجتماعي. إذ ذاك لم يكن بواردنا أن هناك نهجاً اقتصادياً اسمه اقتصاد السوق الاجتماعي. علينا أن نأخذ بعين الاعتبار مسألة التوظيف والتشغيل ومسألة مكافحة الفقر ومسألة التوزيع العادل للدخل القومي.
في الحقيقة، أنا أجزم بأنه قد تم تبني نهج اقتصاد السوق الاجتماعي كهوية جديدة للاقتصاد السوري، بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، باعتباره مفهوماً توفيقياً بين القوى التي "تصارعت" من أجل تحديد النهج الذي يجب أن يتم تبنيه كهوية للمرحلة القادمة.
من هذه النقطة، جاء الغموض المفاهيمي فيما يتعلق باقتصاد السوق الاجتماعي، بين السلطة السياسية التي تبنت هذا النهج وبين القوى التي حاولت أن تسحب البساط لصالحها. فرجال الأعمال والبرجوازية السورية (بمفهوم إيجابي أو سلبي) حاولت أن تفسر اقتصاد السوق الاجتماعي على أنه نهج يحقق مصالحها. أما في اتحاد العمال واتحاد الفلاحين وغيرها، فقد اعتبرت أن هذا النهج هو نهج اقتصاد اجتماعي يحافظ على مصالح الطبقة (ات) التي تمثلها هذه القوى. إنه ليس نهجاً يمثل حالة افتراق أو قطيعة عن النهج الاشتراكي السابق الذي أسس في بداية الستينات من القرن الماضي من خلال ثورة آذار، ورُسخ لاحقاً مع بديات العقد السابع مع الحركة التصحيحية، ولو بصورة معدلة هي صيغة التعددية الاقتصادية والسياسية. إنه ليس حالة افتراق بل هو مجرد تطوير للفكر والنهج الاشتراكي الذي كان مقبولاً ومدعوماً من قبل هذه القوى. بل كانت تعتبر نفسها الحامل الاجتماعي للنظام السياسي الذي يتبنى هذا النهج.
الحقيقة، إن الاستمرار إلى الآن في عدم الوضوح المفاهيمي إنما يعود إلى أنه نهج توافقي بين قوى مختلفة تناقشت بحدة حوله، حتى داخل ردهات المؤتمر. وللأسف فإن القيادة السياسية السورية لاتملك صيغة محددة يمكن الاسترشاد بها، تاركة تحديد المفهوم لكل الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين، بما فيهم الحكومة، بحيث يطبق كل منهم أو ينفذ أو يتخذ القرارات أو ينتقد، بحسب فهمه الخاص لهذا النهج. فالفريق الاقتصادي في الحكومة، على سبيل المثال، يرى بأنه نهج يتمثل بإطلاق حرية السوق إلى أقصى مدى مقابل تخلي الدولة عن بعض مهماتها الاجتماعية التي كانت مناطة بها لصالح تمكين البيئة الاستثمارية والتي تعني فيما تعنيه تخفيض العبء الضريبي وبالتالي تقليص نسبي للإيرادات الحكومية وتالياً الضغط على بنود الانفاق الاجتماعية.
أرى أنه من المناسب أن تبادر الدولة، بكل مكوناتها، إلى تبني تعريف محدد لهذا النهج ينعكس بشكل أساسي في الخطة الخمسية الحادية عشرة. وأن يستمر النقاش بين مختلف الأطراف ذات العلاقة وبين المثقفين السوريين من أجل إنجاز هذا التحديد المفاهيمي.
شكراً جزيلاً
دمشق في 14-7-2009
[1] - الأحزاب العشرة الممثل في الجبهة الوطنية التقدمية وهي عبارة عن تجمع للأحزاب ذات التوجه اليساري والقومي والتي وقعت على ميثاق الجبهة في عام 1971 أو بعد ذلك. والتي كان أخرها الحزب السوري القومي الاجتماعي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق