الجمعة، 21 أكتوبر 2011

علاقات العمل في ضوء المتغيرات الدولية





د. عماد الدين أحمد المصبَح






جدول المحتويات



المتغيرات الدولية وعلاقات العمل الجماعية

المقدمة

عصفت بالعالم منذ بداية التسعينات جملة من التغيرات السياسية والاقتصادية أبرزها انهيار الاتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الاشتراكية والدعوة إلى تأسيس نظام عالمي جديد ببعدين سياسي واقتصادي واكتمال حلقات منظمات بريتون وودز بتأسيس منظمة التجارة العالمية في عام 1995. ويضاف إلى ذلك جملة الأزمات الاقتصادية التي كان من أبرزها أزمة جنوب شرق آسيا وأزمة البيزو في أمريكا الوسطى والأزمة المالية التي ضربت الأرجنتين في نهايات عقد التسعينات. ويشار أيضاً إلى تراجع أداء الاقتصاد الأمريكي بعد فترة من الرواج والنمو لم يشهدها هذا الاقتصاد على مر العقود ولاسيما بعد تفجيرات 11 أيلول/سبتمبر. وخلال هذه الفترة تعاظم دور بعض الفاعلين الاقتصاديين على المستوى العالمي ولاسيما منظمات بريتون وودز (صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدول ومنظمة التجارة العالمية)؛ والشركات المتعددة الجنسية، في الوقت الذي تراجع دور بعض هؤلاء الفاعلين مثل منظمة الانكتاد UNCTAD (مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية) وكذلك التنظيمات النقابية العمالية بسبب غياب الدعم المالي والإيديولوجي  الذي كانت تتلقاه من الدول الاشتراكية.
ولقد اصطلح على تسمية جملة التغيرات التي حدثت منذ عقد التسعينات من القرن العشرين بالعولمة الاقتصادية. ولقد تصدت الأدبيات المختلفة سواء في البلدان المتقدمة أو البلدان المتخلفة أو على صعيد المنظمات الأممية[1] لتعريف هذه الظاهرة وتحديد ملامحها وأدواتها وأثارها المختلفة ولاسيما أثارها الاجتماعية وأثارها على سوق العمل والقوى العاملة.
وكان من أبرز الآثار التي تركتها العولمة تلك المتعلقة بعلاقات العمل وأدوار النقابات العمالية الوطنية والإقليمية. ولقد أنتجت هذه العولمة أشكالاً جديدة ومبتكرة من العمالة وعمقت البطالة وعممتها سعياً للضغط على النقابات والعمال من أجل القبول بمرونة أكبر في سوق العمل سواء لجهة الأجور أو لجهة إجراءات التسريح.
وتسعى هذه الورقة إلى محاولة الكشف عن الآثار التي خلفتها العولمة عبر أدواتها المختلفة في سوق العمل في البلدان المتقدمة أو في البلدان المتخلفة، ومحاولة الكشف عن دور الإصلاحات الهيكلية التي فرضها صندوق النقد الدولي على الطبقة العاملة وعلى متغيرات سوق العمل وكذلك على المكونات الأساسية لعلاقات العمل في هذه البلدان. كما تسعى الورقة هذه إلى استعراض التطورات في أدبيات سوق العمل الناجمة عن ضغط قوى العولمة من أجل استحداثها أولاً وتعميمها وفرضها تالياً.
وسوف يتم تناول ذلك من خلال المحاور التالية:
أولاً: العولمة وأدواتها
ثانياً: تأثير العولمة على القوة العاملة وعلاقات العمل
ثالثاً: إعادة الهيكلة والإصلاح الاقتصادي وتأثيرها على سوق العمل
بالإضافة إلى المقدمة، والاستنتاجات والتوصيات.


أولاً: العولمة وأدواتها

1.    تعريف العولمة

ليس هناك توافق رسمي على تعريف العولمة، إلا أن هناك اتفاقاً واسع النطاق على أنها شكل متسارع من أشكال النشاط الاقتصادي عبر الوطني، يتجسد في تنامي حركة المعلومات ورؤوس الأموال والسلع والخدمات. وهي عملية دينامية وليست ظاهرة من الظواهر، يندرج ضمنها ويتحول بها عدد كبير من أوجه النشاط المالي والتكنولوجي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والجيوسياسي. وهذه العملية آخذة في التحول إلى مؤسسة، ومرد ذلك إلى سياسة الانفتاح الدولية، وهي تنفذ بموجب اتفاقيات دولية تختص بالتجارة والتكنولوجية وحركات رؤوس الأموال التي يؤثر في إطارها ملايين من أصحاب القرار في الأسعار ويخصصون الموارد، ومن ضمنها القوى العاملة، بطريقة تتضاءل معها سيطرة السلطات الوطنية.
وقد أنتجت المدارس والاتجاهات المختلفة شمالاً وجنوباً مهرجاناً من التعريفات للعولمة الاقتصادية. فقد وصفها تقرير التنمية البشرية لعام 1999 بأنها أكثر من حركة الأموال أو السلع: فهي الصورة التي يتجلى بها الترابط بين شعوب العالم. وأفضل وصف للعولمة هو أنها عملية تكامل الاقتصاد والثقافة والتكنولوجيا والحكم عن طريق سلسلة من المبادلات السريعة. وهذه المبادلات التي تحدث في إزاء خلفية تحرير الاقتصاد وإزالة الضوابط والخصخصة، تزايدت في السنوات القليلة الماضية إلى حد تغيرت معه الطريقة التي تتوزع بها سلطة اتخاذ القرار في الاقتصاد العالمي[2].
وتفهم العولمة عند البعض على أنها مفهوم تجريدي لا يشير إلى هدف محدد وإنما هو تفسير تطور اجتماعي معين[3] ويفسر آخرون العولمة على أنها عملية يصبح بموجبها مفهوم الانتماء إلى وطن محدد الجنسية أمر غير وارد. وبناء على هذا المفهوم الأخير، يمكن التمييز بين نوعين من العولمة في الأدبيات الاقتصادية: عولمة الاستهلاك، حيث تكون جنسية المستهلك مستقلة تماماً عن البلد الذي يصنع فيه المنتج الاستهلاكي؛ وعولمة الإنتاج/الملكية التي تشير إلى أن جنسية المالك لعناصر الإنتاج أو المسيطر عليها (أي المنتج) مستقلة تماماً عن البلد الذي يتم فيه الإنتاج[4].ويصف ميشيل كامديسو، الرئيس السباق لصندوق النقد الدولي، العولمة بأنها كيان هندسي مكون من سبعة مقاطع: الإمكانات الكامنة الكبيرة للنمو والرفاهية التي توفرها العولمة للدول التي تندمج في الاقتصاد العالمي؛ والاندماج؛ والإجماع على أهمية تحرير التدفقات المالية؛ والقاعدة الذهبية التي تتمثل في الشفافية؛ وأسلوب الحكم الجيد؛ ووضع قواعد متفق عليها لأفضل الأساليب التطبيقية؛ وإعطاء الفرصة للمنهج متعدد الأغراض لمعالجة المشاكل المالية ذات الطبيعة العالمية[5].
ومن أكثر التعريفات عملية في التطبيق هو الذي يعرف العولمة على أساس أهم أبعادها. فبناء على هذا التعريف، فإن أهم أبعاد العولمة هي تحرير التجارة، تحرير التدفقات المالية، نقل الإنتاج (أي انتقال إنتاج بعض السلع من الدول المتقدمة إلى النامية)، وزيادة التنسيق فيما بين المؤسسات الاقتصادية والأطر التنظيمية لدول العالم[6].

2.    أدوات العولمة

في عصر العولمة تكتسب الشركات المتعددة الجنسيات وصناديق المعاشات التقاعدية والمصارف ومؤسسات بريتون وودز نفوذاً طاغياً. وعلى سبيل المثال فقد أسندت إلى صندوق النقد الدولي مهمة الإشراف على أعمال النظام النقدي الدولي. وأنيط بالبنك الولي مسؤولية وضع الاستراتيجيات والمشاريع ومساعدة البلدان النامية على الحد من الفقر الذي تولده العولمة، في حين تتولى منظمة التجارة العالمية الإشراف على حسن تنفيذ قواعد التجارة العالمية وضمان تدفق سلس للتجارة بين الدول.
وفي هذا الإطار ، تنتج العولمة ثلاثة أنواع من الجهات الفاعلة. الذين يعولٍمون، أو أصحاب المبادرة في العولمة,والذين يعولَمون، وأخيراً الذين يتركون خارج العولمة. ويمكن أن ينطبق هذا التقسيم على البلدان والمناطق والأقاليم الفرعية وحتى على الأفراد. وحسب القواعد الجديدة المحددة في الإتفاقيات المتعددة الأطراف, فإن المعولِمون (بكسر اللام)، أي الشركات المتعددة الجنسيات, وما يتفرع عنها من مؤسسات أعمال متوسطة وصغيرة, يسيطرون على الموارد الرأسمالية والمعارف والتحكم بالإعلام . أما الذين يعولَمون (بفتح اللام) فهم مستهلكون لمنتجات العولمة يفتقرون إلى المعلومات والمعارف. والذين يتركون خارج العولمة لا يستفيدون إلا قليلاً، أو لا يستفيدون إطلاقاً, من المعلومات والمعارف. وليس لديهم, بصفتهم مستهلكين , أي قدرة على الاستيعاب, ولا علاقة لهم بالإنتاج التكنولوجي. وهذا التجزئ والتقسيم للمجتمعات وللأسرة الدولية برمتها يزدادون بروزاً يوماً بعد يوم. والأفراد والجماعات الذين تتألف منهم هذه الجهات الفاعلة موجودون في كل بلد. والذين يعولِمون (بكسر اللام) هم, وسيبقون على الأرجح, أقلية, لكن المجتمعات الأخرى تشعر بنفوذهم.[7]
1-          الشركات المتعددة الجنسية:
تعتبر الشركات المتعددة الجنسية، يساعدها الاستثمار الأجنبي المباشر, الموجهة الرئيسية للعولمة الاقتصادية. ويتضح دور هذه الشركات من خلال استعراض النقاط التالية[8]:
1-  في عام 1997, بلغ مجموع الأصول الأجنبية لدى أضخم 100 شركة عبر وطنية غير مالية في العالم 108 تريليون دولار, وحققت هذه الشركات مبيعات خارجية بقيمة 2.1 تريليون دولار, ووظفت نحو 6ملايين شخص في فروعها الخارجية. ومثلت هذه الأصول 15 في المائة تقريباً من الأصول الأجنبية لجميع الشركات عبر الوطنية, و22 في المائة من مبيعاتها. وكان ما يناهز 90 في المائة من هذه الشركات يقع في مثلث البلدان الشامل لأوروبا والولايات المتحدة واليابان, في حين أن شركتين منها فقط كانتا في بلدين ناميين هما فنزويلا وكويا الجنوبية. وبين المجالات التي تعمل فيها, كانت الهيمنة للصناعات التالية: السيارات, الإلكترونيات, التجهيزات الكهربائية, النفط, الكيميائيات, المستحضرات الصيدلية,
2-  وفي مجال الإنتاج, تمثل قيمة ناتج الشركات الأم الوطنية وفروعها الخارجية 25 في المائة من الناتج العالمي. ويحقق ثلث هذا الإنتاج في بلدان مضيفة. وفي عام 1998, بلغت قيمة مبيعات الفروع الخارجية من السلع والخدمات في الأسواق المحلية والدولية نحو11 تريليون دولار, مقابل صادرات عالمية ناهزت قيمتها 7تريليونات دولار في نفس العام.وبذا يكون الإنتاج العالمي أهم من التجارة الدولية في تزويد الأسواق الخارجية بالسلع والخدمات. وخلال العقد الماضي, كان نمو الناتج العالمي والمبيعات العالمية للفروع الخارجية أسرع من نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
3-  وفي عام عام1998 أيضاً, ازدادت تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى جميع البلدان بما يناهز 40 في المائة, ووصلت إلى 644 مليار دولار. وقد أجري معظم هذه الاستثمارات في البلدان المتقدمة النمو, وظهر فيه, بصورة رئيسية, ارتفاع حجم عمليات دمج الشركات وشرائها. لكن حجم تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى البلدان النامية هبط,  عام 1999, من 173 إلى 166مليار دولار. ورغم ذلك, تتسم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الأسواق الناشئة  باستقرار ملحوظ قي مقابل هبوط الإقراض المصرفي. ومن المحتمل أنها تمثل 75 قي المائة من مجموع التمويل الخارجي الذي أتيح للبلدان النامية في عام 1999؛ وهي تحل, كما أفاد معهد التمويل الدولي، محل المساعدة الإنمائية الرسمية. وثمة خمسة أسواق ناشئة تلقت 55 % من مجموع تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى البلدان النامية, بينما لم يتجاوز نصيب 48 من أقل البلدان نمواً 1 % من هذا المجموع.
4-  ويتزايد توجيه الاستثمارات الأجنبية المباشرة نحو الأنشطة الكثيفة الاستخدام للتكنلوجيا, وتتعاظم يوماً بيوم, بالنسبة للشركات عبر الوطنية , أهمية الأصول التكنولوجية بالنسبة لحفظ قدرتها التنافسية وتعزيزها.
5-  والابتكار والبحث والتطوير هي في صميم مزايا الملكية التي تدفع بالشركات إلى الانخراط في الإنتاج الدولي. ويبدو, بالاستناد إلى البيانات المتعلقة باليابان والشركات عبر الوطنية الدولية, أن الشركات الأم تضطلع بمعظم أعمال البحث والتطوير. أما الفروع فتميل إلى إجراء تخفيض كبير للإنفاق في هذا الميدان, ولا سيما بالقياس إلى إنفاق البلدان المضيفة, وتستثنى من ذلك , خصوصاً, ايرلندا وسنغافورة. وهذه العوامل تحد من حصة البحث والتطوير المخصصة للبلدان النامية.
6-  كما أن ظاهرة الاندماج بالنسبة للشركات المتعددة الجنسيات فيما بينها أدى إلى تكوين احتكارات عالمية مما جعلها تستحوذ على الأسواق وستحول دون أي منافسة محتملة معها قاطعة الطرق أمام المقاولات المحلية لتمكنها من الوصول إلى الأسواق الوطنية, فكيف الحال بالنسبة للأسواق الخارجية إذن.
وهذا ما يعني أنها تفعل إرادتها في تعميق التبعية الاقتصادية عن طريق تفاقم الاختلالات الاقتصادية كما هو الحال في الوطن العربي[9] .
وتعمل الشركات المتعددة الجنسية على تعميق الفوارق بين الدول الغنية والبلدان الفقيرة مستغلة ندرة رأس المال عند الدول الفقرة وضعف المستوى التكنلوجي فيها وأحادية الاقتصاد فأخذت تعمق حالة الاختلال في هياكلها الاقتصادية والبلدان العربية شأنها شأن الدول الفقيرة. ويشير تقرير نشرته الانكتاد في عام 1999 إلى أن الشركات المتعددة الجنسية هي التي أصبحت تتحكم في الاقتصاد العالمي وتفرض قانونها وسياساتها عليه سواء فيما يتعلق بالاستثمار أو الإنتاج أو الاستهلاك وأنها لا تتردد من أجل تحقيق هذه الغاية في إعادة رسم خريطة العالم حسب ما تستهدفه بما يمكنها من أن تحتل المقام الأول في نظام الإنتاج العالمي المندمج.
2-          تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
يذهب كثير من الباحثين إلى أن العولمة ليست ظاهرة حديثة العهد: فهي مستمرة منذ الثورة الصناعية الأولى.غير أن التحول الراهن جديد تماماً لأنه يستمد أدواته من تكنولوجيات جديدة للمعلومات والاتصالات تشكل قاعدة لمصادر إنتاج جديد وأشكال تنظيمية جديدة ولظهور اقتصاد عالمي تحركه التكنولوجيا لا التجارة. ونتيجة ذالك هي أن العالم كان, في نهاية القرن العشرين, موجهاً نحو شبكات الحاسوب, كما أن مجال النشاط البشري بكاملة يعتمد الآن على المعلومات وعلى سلسلة من الابتكارات التكنولوجية التي تسرّع وتيرته كل يوم[10]. والكثيرون يميلون إلى اعتبار الثورة الرقمية الراهنة مساوية, في الأهمية, لاختراع الكهرباء في الصناعة.
ودور تكنلوجيا المعلومات والاتصالات في تحفيز التنمية الاقتصادية هو دور حاسم يتيح للبلدان أن تتخطى بعض مراحل النمو الاقتصادي من خلال تحديث قطاعاتها الإنتاجية وزيادة قدرتها التنافسية بطريقة أسرع مما مضى, على غرار ما حدث في اقتصادات منطقة آسيا والمحيط الهادئ. إلا أن البلدان غير القادرة على التكيف مع النظام التكنولوجي الجديد تزداد حرماناً. والقدرة على الانتقال إلى عصر المعلومات مرهونة بحصول المجتمع كله على التعليم برمته, من المدرسة الابتدائية إلى الجامعة, وعلى المستوى العام للتطور الثقافي, بما فيه مستوى المخرفة الوظيفية للقراءة والكتابة ومضامين وسائل الإعلام ونشر المعلومات في صفوف السكان.
ومن جهة ثانية, تحد التجارة الإلكترونية من أهمية المسافة المادية وتكلفة النقل باعتبار هما معرقلين للنفاذ إلى أسواق المنتجات العالمية, فتتيح حتى للشركات الصغيرة تسويق منتجاتها وخدماتها في جميع أصقاع العالم متمتعة بقدرة تنافسية. وقد أدى ذلك إلى أن ناتج ساعة العمل الواحدة ارتفع في الولايات المتحدة, خلال الفترة 1995- 1999, بنحو 2.5 في المائية سنوياً أي ما يناهز ضعفي متوسط وتيرته في الأعوام الـ 25 السابقة. ويرجح ثلثا هذه الزيادة إلى تكنولوجيا المعلومات[11].
3-          الدولة
   من التأثيرات الأساسية للعولمة أنها تعيد تحديد دور الحكومات وتؤثر في أعمالها. وقدرة الحكومات على التحكم بالأسواق المالية الداخلية محدودة لأنهذه الأسواق تتشكل بعوامل خارجية مرهونة بالمعلومات الواردة من مصادر شتى. وفي سبيل الاحتفاظ بشيئ من القدرة على إدارة تدفقات رؤوس الأموال والمعلومات, تميل الحكومات الوطنية إلى التكاتف لإنشاء مؤسسات تتخطى الحدود القومية, من قبيل اتفاق منطقة التجارة الحرة لأمريكة الشمالية (نافتا) والاتحاد الأوربي وغيرهما من منظمات التعاون الإقليمي. ويقول كاستلز[12] إن هذه الإتفاقيات تفيد في تكوين شكل جديد من أشكال السيادة يربط بين الدول في "شبكة تفاعل واشتراك في اتخاذ القرارات تصبح هي الشكل السياسي السائد لعصر المعلومات: أي الدولة-الشبكة".ومع انتشار العولمة، أخذت الشركات عبر الوطنية تضعف سلطة الدولة. ففي الاقتصاد العالمي، حيث تفلت الصفقات، إلى حد بعيد، من سيطرة الدول، تتقلص قدرة الحكومات على توجيه اقتصادها وتفقد الحدود الجغرافية أهميتها بفعل الثورة التكنولوجية في النقل والاتصالات (Oliner and Sichel, 2000: 5).
وتحول الاتفاقات التجارية الدولية الجديدة جزءاً مهماً من سلطة الدول القومية إلى الشركات المتعددة الجنسية. وفي رأي رفكين[13] أن منظمة التجارة العالمية واتفاق التجارة الحرة لأمريكا الشمالية ومعاهدة ماستريخت تبرز تغير أنماط السلطة في المجتمع الدولي. فهذه الاتفاقات تبطل القوانين التي تسري على شؤون الدول القومية ذات السيادة إذا عرضت للخطر حرية الشركات متعددة الجنسية في مزاولة التجارة الدولية (Rifkin, 1995: 237). وهذا التقلص في دور الدولة يترك فراغاً في السياسة الدولية. ومن الواضح أكثر فأكثر أنه يجب تكملة الدول القومية، أو في بعض المجالات، الاستعاضة عنها بهيئات عالمية قادرة على التصدي للمشاكل العالمية، بما فيها مشاكل البيئة العالمية والاقتصاد العالمي وعدم التكافؤ العالمي وعولمة الثقافة[14].
ويتطور دور الدولة في العصر الجديد وفق درجة اندماج البلد في الأسواق العالمية. وفي المرحلة الأولى، أو مرحلة إعادة الهيكلة، لابد عند انفتاح البلد على العولمة من تدابير مالية تشجع القطاع الخاص على الاضطلاع بالدور القيادي، وتحد من الدولة الرعائي، وتبني المؤسسات اللازمة لاجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر. ولضمان الاندماج الناجح في العولمة، ينبغي للحكومات أن تركز على العوامل الساسية التالية: الشفافية، والمعايير القياسية، ومكافحة الفساد، وحرية الصحافة، لإتاحة تدفق المعلومات بحرية وقيام نظام قضائي مستقل. ومتى انضم البلد إلى الأسواق العالمية، يتحول دور الدولة إلى المحافظة على القدرة التنافسية بإقامة الأطر القانونية والضريبية المرنة والضرورية للتوسع السريع. وفي هذه المرحلة، تكون الحكومات مسؤولة عن التنظيم القانوني للأسواق، وتشجيع المبادرة في المشاريع والمنافسة، والقضاء على البيروقراطية، فضلاً عن تأمين خدمات التعليم والخدمات الصحية للفقراء. والمهم في عصر العولمة ليس حجم الدولة، بل نوعية نظمها القانونية والدولية وإدارتها للاقتصاد.
والتحدي الذي تواجهه حكومات البلدان الني صارت مندمجة في عملية العولمة هو تحدي تقليص ما تسببه العولمة من فوارق وعدم استقرار. وغالبية وظائف الدول التقليدية، باستثناء وظائف إعادة التوزيع، يمكن أن يضطلع بها القطاع الخاص أو أن تُؤدى بواسطة السوق. وتشمل وظائف إعادة التوزيع جمع نسبة ملائمة من الأرباح وإعادة توزيعها بين السكان، وفقاً لمعايير الصالح العام وتأمين الرفاه للجميع وتلبية الاحتياجات العالمي. وهناك حاجة حيوية إلى توفير التعليم والرعاية الصحية للمعوزين والحفاظ على مستوى مداخيلهم. وفي المستقبل، مع استفحال أوجه التفاوت بسبب العولمة، ستتزايد الأهمية الجوهرية لهذه الوظائف فيما يتعلق بالمحافظة على الاستقرار الاجتماعي.

ثانياً: تأثير العولمة على القوة العاملة وعلاقات العمل

1.    الآثار المختلفة للعولمة

بوجهٍ عام، تزيد العولمة من فرص خلق الثروات، مع أن منافعها تبدو حكراً على الاقتصادات الأقوى. وهي تستحث الإنتاجية والابتكار، مدعومة في ذلك بسرعة الاتصالات وقلة التكاليف. كما أنها تحفز المنافسة بين البلدان بتعزيز الفعالية ورفع مستوى القدرات البشرية. والنتيجة هي أن غالبية فوائد العولمة تتكون من مكاسب تتحقق في الإنتاجية ويشجعها التخصيص الكفء للموارد في جميع أصقاع العالم. وقد تتيح هذه الحالة لكثير من الجماعات الاقتصادية التي كانت في السابق معطلة القوى أن تحسن مداخيلها. فعلى سبيل المثال، يمكن للملم بالحاسوب أن يسبق بأشواط من لا يسعهم التكيف مع وتيرة التطور في تكنولوجيا المعلومات.
ومع أن مزايا العولمة تبدو نقدية فقط ومحصورة بالاقتصادات الأقوى، تبدو المساوئ أكثر تنوعاً بكثير وشاملة مجموعة واسعة من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية. وتختلف الأضرار الاجتماعية للعولمة بحسب النمو الاجتماعي- الاقتصادي للبلد أو المنطقة المدروسين. ففي المناطق المتقدمة النمو، تؤدي العولمة وسرعة الأخذ بالتكنولوجيا إلى تكاثر المشاكل الصحية المتصلة بالإجهاد، بما فيها الانهيار العصبي والتوتر والقلق. ومن المشاكل الاجتماعية عدم الاستمتاع بخصوصيات الحياة، والاستلاب، وتلاشي الثقافات التي لا تناسب "النموذج المثالي"، والتوتر الاجتماعي الناتج من اشتداد استقطاب المجتمعات[15]. وبين القوى العاملة الأقل مهارة، ستؤدي العولمة إلى انخفاض الأجور، وتسارع وتيرة العمل بطريقة لا تضبط، وتفاقم البطالة الطويلة الأمد التي تولد الجريمة والعنف[16]. وعندما يقع الضرر على الموسرين وغير المهرة المقيمين في نفس المنطقة، يزداد التماس الموسرين للأمن الشخصي ويتجنبون الاحتكاك بمن هم أقل منهم حظاً[17].
وفي البلدان النامية، تحدث العولمة أضراراً اقتصادية أشد وأسرع في آن معاً. فالتضخم، وتدني قيمة النقد، وسرعة التقلب المالي، وانعدام الأمن الاقتصادي، هي كلها أخطار محتملة، لأن الاستثمار الأجنبي المباشر واستثمارات الحوافظ المالية والقروض الخارجية وأموال المضاربات هي أهم فئات رؤوس الأموال التي ترد من الخارج. ويُضاف إلى ذلك عدم أهمية هذه البلدان في السوق العالمية، وضعفها، ليس فقط في مواجهة قرارات المؤسسات التي تحدد حجم وتوقيت تدفق الأموال، بل كذلك في مواجهة عمليات التلاعب التي تقوم بها بعض الجهات الفاعلة التي تجري المضاربات على الصعيد العالمي[18].
ولم تتضح بعد الآثار الاجتماعية المحتملة للعولمة في البلدان النامية. لكن مزيج البناء والهدم الذي ينطوي عليه النمو يزداد وضوحاً مع تسارع العولمة، فلا يستبعد أن يكون هناك رابحون وخاسرون في أي مجتمع. ومن المساوئ الاجتماعية الرئيسية التي تفرزها العولمة اشتداد تفاوت المداخيل، إذ تزداد الأقلية الغنية غنى والأكثرية الفقيرة فقراً (استقطاب)؛ وتهميش غير القادرين على الاستفادة؛ وانتشار الاستهلاك الفاحش لدى أقلية صغيرة، بحيث تشتد عوامل التوتر؛ والاستبعاد الاجتماعي لغير المهرة؛ وبروز الانقسام الطبقي للمجتمعات؛ وسرعة الأسواق وضعفها في مواجهة القوى الخارجية وأضرارها الاقتصادية؛ ونمو اقتصاد السوق السوداء والأنشطة غير القانونية فيما يتصل بالمخدرات وتبيض الأموال والفساد؛ ووهن دولة الرعاية من جراء الضغوط المالية. ويمكن، نتيجة ذلك، استبانة بعض الاتجاهات التي تشمل استفحال التفاوت بين البلدان بصورة عامة. وبينما يتناقص التباين في بعض البلدان، كالهند وبلدان منطقة آسيا والمحيط الهادئ وإسبانيا، يتزايد هذا التباين في بلدان أخرى مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة (بريطانيا) والبرازيل. أما الاستقطاب فهو على ارتفاع في كل مكان[19]. وفي عام 1994، قفزت نسبة مداخيل شريحة الـ20 في المائة العليا من سكان العالم إلى مداخيل شريحة الـ20 في المائة الدنيا من 30/1 في عام 1960 إلى 78/1. وفي غضون ذلك، أصبحت الأصول الشخصية لأغنى 300 ملياردير في العالم أكبر من مجموع الدخل السنوي لمجموعة بلدان يشكل عدد سكانها 50% من عدد سكان العالم (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 1999: 36)[20]. والنتيجة هي أن عدد العائشين في فقر يزداد كثيراً في كل مكان، كما أن شريحة العائشين في فقر مدقع صارت أسرع شرائح السكان تزايداً في كل بلد تقريباً[21].
والتهميش هو، كما ذُكر آنفاً، مشكلة خطيرة، لاسيما في البلدان النامية. والفجوة آخذة في الاتساع بين البلدان القادرة على جني فوائد العولمة والبلدان التي لا تستفيد منها أو التي تجد التعولم صعباً. وفي أواخر التسعينات من القرن الماضي، كان الخمس الغني من سكان العالم يسيطر على 86% من الناتج المحلي الإجمالي في العالم، و82% من الصادرات العالمية، و68% من الاستثمار الأجنبي المباشر، مقابل 1% فقط من كل من الثلاثة، للخمس الأفقر[22]. وإذا استمر هذا الاتجاه، فستزيد العولمة من اتساع الفجوة بين البلدان المعولمة والبلدان الأخرى.

2.    أحوال العمالة العالمية

عند نهاية التسعينات كانت أوضاع العمالة تتردى البلدان في أكثرية البلدان باستثناء أمريكا الشمالية واستراليا ونيوزيلندا والصين والهند. فعلى أثر الأزمة الآسيوية تضاعفت معدلات البطالة في البلدان التي أصابتها الأزمة أشد إصابة. وفي عام 2000 كانت البطالة في أمريكا اللاتينية عند أعلى مستوى بلغته طوال 15 عاماً، وتصاعدت في المنطقة العربية إلى مستويات جديدة[23].
وبسبب نقص الطلب على الأيدي العاملة في الأنشطة الرسمية، اضطر معظم الوافدين حديثاً إلى سوق العمل إلى البحث عن وظائف غير رسمية، ظروف العمل فيها عن المستوى المتوسط. وكانت هذه هي الحال في أمريكا اللاتينية، حيث ارتفعت نسبة القوى العاملة في وظائف غير رسمية من 40 إلى 55 في المائة بين عامي 1980و 1995. والتجربة هي نفسها في الاقتصادات الأوروبية المارة بمرحلة انتقالية. ففي بلغاريا وجمهورية مقدونيا اليوغسلافية السابقة مثلاً يشتغل ثلث القوى العاملة في اقتصاد الظل، بينما يستمر في النمو في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء اقتصاد غير رسمي يمثل الوظائف على الأقل.
والوظائف المؤقتة أو ذات الدوام الجزئي هي من السمات النموذجية لأسواق العمل الناشئة: ففي أمريكا اللاتينية تشكل هذه الوظائف 8 من أصل كل10 وظائف جديدة، بينما كانت هذه النسبة في أوروبا  الغربية 18 في المائة في عام1997 .
والأجور منخفضة نسبياً في سوق العمل الراهن. ففي معظم البلدان لا يبقي التنافس الحاد على الوظائف إلا القليل من القدرة التفاوضية. والنتيجة هي أن الأجور الحقيقية في أكثرية بلدان أمريكا اللاتينية وأفريقيا والشرق الأوسط يجب أن ترتفع لتعود إلى المستويات التي كانت تعتبر طبيعية قبل20 عاماً.
وهناك نتيجة أخرى للعولمة وما يتصل بها من إعادة الهيكلة، وهي أن ملايين العمال يتقاضون أجوراً مخفضة أو يكرهون على أخذ إجازات. وفي تقرير نشرته منظمة العمل الدولية واستشهدت به صحيفة انترناشيونال هيرالدتريبيون تبين تقديرات متحفظة أن130000 وظيفة على الأقل فقدت في أوروبا الغربية بسبب أنشطة الدمج التي أضطلع بها في التسعينات. ويتكهن التقرير بفقد300000 وظيفة بين عامي1999 و2002 في القطاع المصرفي الأوروبي وحده، بسبب توحيد الأسواق الوطنية ورفع القيود التنظيمية عنها. وفي الصين يعطي الآن ملايين من العاملين في مؤسسات الدولة والمشاريع الجماعية إجازات بنصف مرتب أو أقل. وفي الاتحاد الروسي حيث يبلغ معدل البطالة الرسمي 10 في المائة، استبقي 11 في المائة من القوى العاملة في وظائفهم إنما بأجور دنيا، أو حملوا على الذهاب فيما زعم أنه عطل وهو في الحقيقة شكل مقنع من أشكال فقد الوظائف[24].
وتتعاظم فوارق الأجور داخل البلدان والمهن. وفي غالبية أنحاء العالم يأتي نمط النمو مفيداً للعمال المهرة الذين تدفع لهم مكافآت متزايدة، ولا يستفيد منه العمال غير المهرة؛ وتتعاظم فوارق الأجور على الصعيد الدولي أيضاً وهو اتجاه يشجع هجرة أكثرية القوى العاملة الماهرة من البلدان النامية إلى المناطق المتقدمة النمو في آسيا وأمريكا الشمالية أو أوروبا ولا تقتصر تبعات ذلك على أن البلدان النامية تتكبد خسائر في مجال الاستثمار في الموارد البشرية، بل انه يعني أيضاً أن موارد هذه البلدان تسهم في جعل المناطق المتقدمة تزداد تقدماً، فيزداد تهميش البلدان النامية[25].
أما في البلدان النامية والدول العربية فإن سوق العمل يعاني من:
1-   انخفاض الإنتاجية والأجور وتقلصها ولاسيما في القطاع العام, وتتفاقم مشكلة العمالة بتدني الإنتاجية. ففي النصف الأول من التسعينات انخفضت الإنتاجية في الكويت والأردن، وركدت في البحرين وعمان ولم ترتفع إلا في مصر. ويقول نادر فرجاني[26] أن الإنتاجية في مصر وسورية هي أقل من سدسها في كوريا أو الأرجنتين وأقل من عشرها في بلدان المنطقة الأخرى غير المنتجة للنفط. كما أن الأجور الحقيقية هبطت بحدة في التسعينات وكان هبوطها في قطاع الصناعة التحويلية بمعدل سنوي متوسط قدره 2% خلال الفترة 90-96 (Fergany, 2000: ).
2-   ارتفاع معدلات البطالة، حيث تراوح معدل البطالة ما بين 10% و19% في عمان ومصر وسورية والأردن والبحرين ولبنان. وقد ارتفعت معدلات البطالة خلال التسعينات في المنطقة العربية من 12.7% في عام 1990 لتصل إلى 15% في عام 2000. ويضاف إلى ذلك انتشار وتفشي ظاهرة البطالة الناقصة. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن خلق الوظائف الجديدة في المنطقة العربية يتم بمعدل أخفض من معدل نمو السكان. ومن المتوقع أن تواصل الضغوط السكانية إلقاء ثقلها بشدة على أسواق العمل في المنطقة[27].
3-   يعتبر القطاع العام أكبر رب عمل، وعلى الصعيد العالمي تمثل الوظائف الحكومية المدنية نحو 11% من مجموع الوظائف. ويعمل في القطاع العام في الدول العربية قرابة 35% من العمال في مصر و50% في الأردن. وينطوي ذلك على آثار خطيرة عند الاقتراب من حدود إصلاح الاقتصاد الكلي باتباع وصفات صندوق النقد الدولي بما يتضمن من تسريح الجزء الأكبر من هذه العمالة وإضافتهم إلى جيش العاطلين عن العمل.
4-   سوق العمل غير الرسمية، حيث كان القطاع غير الرسمي صاحب عمل رئيسياً في المنطقة على مدى العقدين الماضيين ومع الإقرار بوجود قيود شديدة في هذا المجال، يقدر أن حجم القطاع غير الرسمي يتراوح بين 30 و 35% من القوى العاملة في مدن مصر و44% في سورية و33% في الأردن[28].

3.    تأثير العولمة في العمل:

تحدث العولمة الآن تحولاً سريعاً في الوظائف والأسواق، وحتى في المجتمعات المحلية، لأنها توجد وظائف جديدة وتلغي أساليب معيشية وأسواقاً وصناعات قديمة. وفي الماضي عندما كانت تحصل ثورة تكنولوجية تتهدد وظائف أحد القطاعات الاقتصادية، كان يظهر قطاع جديد يستوعب القوى العاملة الفائضة. فبعد المكننة السريعة للزراعة، مثلاً، استوعبت الصناعة التحويلية الكثير من الوظائف التي فقدت وكانت بالملايين. وبين خمسينات وثمانينات القرن الماضي أعاد قطاع الخدمات المتنامي بسرعة استخدام عدد كبير من موظفي المكاتب الذين صرفوا نتيجة للأتمتة. أما في الفترة الراهنة، فقطاعات الاقتصاد التقليدي الثلاثة جميعها، أي الزراعة والصناعة والخدمات، تشهد عمليات صرف تكنولوجية المنشأ تدفع بالملايين إلى البطالة. ولم ينشأ ولا يتوقع أن ينشأ إي قطاع جديد ذو شأن يستطيع الملايين الذين سيتركون العمل ومعظمهم في البلدان النامية، وذلك بسبب سرعة إعادة الهيكلة والأتمتة. والقطاع الوحيد الذي يحتمل له أن يفلح في ذلك هو قطاع المعلومات، المكون من نخبة صغيرة من منظمي المشاريع واختصاصيي العلوم والتقنيين ومبرمجي الحاسوب وأصحاب المهن الحرة والمربين والخبراء الاستشاريين. وهذا القطاع، رغم كونه آخذاً في النمو، لا يتوقع له يعوض إلا نسبة من الوظائف ستفقد في العقود المقبلة، في إثر التطورات الثورية التي ستحصل في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (أنظر الملحق حول وظائف المستقبل).
وهناك استقطاب للآراء في المناقشات التي تدور حول طبيعة وأنشطة القوى العاملة العالمية الجديدة التي توجدها العولمة. فإحدى المدارس الفكرية تقول بأن الثورة الصناعية الثالثة ستفتح من فرص العمل أكثر مما ستزيل، وبأن الزيادات الهائلة في الإنتاج ستضاهيها مستويات مرتفعة من طلبات الاستهلاك، وأسواق عالمية جديدة تستوعب الفيض المتاح من السلع والخدمات الجديدة المتاحة[29]. لكن هناك نقاداً أخذوا يتساءلون عن الطريقة التي يمكن بها خلق وظائف جديدة. وفيما مضى، كانت العملية البطيئة لاستيعاب التكنولوجيا الجديدة تؤمن فرص عمل في البلدان النامية لعدة أجيال.
ومن الأفضل، لفهم تأثير العولمة في القوى العاملة العالمية، الانطلاق من وضع الولايات المتحدة لاستخلاص أوضاع سائر بلدان العالم. ففي هذا البلد، ينقسم المجتمع إلى طبقتين اجتماعيتين: النخبة العالمية وباقي السكان. والنخبة العالمية، بصرف النظر عن محل إقامتها، تتبع نفس الأنماط الاستهلاكية الأساسية ولا تخفي تفضيلها لنفس الماركات التجارية العالمية. ويتصاعد الضغط من أجل الإنفاق التنافسي، وقد أصبحت "مضاهاة الغير في مستوى المعيشة" تعني في الوقت الحاضر إتباع أساليب عيش الأغنياء والمشاهير على النحو المصور في الأفلام والتلفزة. ويذهب رايش إلى أن هذه النخبة العالمية تتكون من ثلاث فئات(Reich, 1992: 174)[30]. فأقل من نصف واحد في المائة من سكان الولايات المتحدة؛ وهم ذوو الغنى الفاحش، يتحكمون بـ56% من مجموع الأصول التجارية الخاصة في الولايات المتحدة، و4% من السكان العاملين هم من ذوي المعارف الذين يديرون اقتصاد المعلومات الجديد، اقتصاد التكنولوجيا العالية؛ وأفراد هذه الفئة يكسبون ما تكسبه نسبة الـ51% التي تقع في أدنى مستوى ذوي الدخل في الولايات المتحدة. وهناك أيضاً نسبة 16% تتكون من العاملين ذوي المعارف الذين يزداد دخلهم سنوياً بغض النظر عن نشاطهم الاقتصادي. وهذه الفئات متماثلة في استعمالها لآخر مستحدثات تكنولوجيا المعلومات لتشخيص المشاكل ومعالجتها وحلها؛ وأفرادها هم مبتكرو ومشغلو ومتعهدو فيض المعلومات الذي يتكون منه الاقتصاد العالمي لفترة ما بعد الصناعة وما بعد الخدمات. وفي أدنى الطبقات الاجتماعية تقع المجموعة الأخرى الأقل حظاً من الثروة، وهي تتكون من سكان المدن الذين تتمثل وظيفتهم الجماعية في تقديم الخدمات للعاملين في المراتب العليا.
وقد يبدو هذا السيناريو، للوهلة الأولى، بعيداً عن الواقع، لكنه سيزداد وضوحاً بعد التمعن في الأنشطة التي تبذل حالياً لتجميع رؤوس الأموال. فأقل من 3% من سعر أشباه الموصلات يذهب إلى مالكي المواد الخام والطاقة، ونسبة 5% منه تذهب إلى مالكي التجهيزات والمرافق، و6% إلى القوى العاملة العادية. وأكثر من 85% من التكاليف يذهب إلى خدمات التصميم والهندسة المتخصصة ولتغطية تكاليف برءات الاختراع وحقوق النشر. ولذلك أصبحت حقوق الملكية الفكرية، في بعض الصناعات، أهم حتى من الأموال. والمشهد العام خارج الولايات المتحدة، حيث تصل فوائد العولمة إلى حدها الأقصى، هو مشهد كئيب. وبصورة عامة، بات اتساع فجوة الدخل والثروة بين الأغنياء والفقراء في البلد الواحد وبين البلدان والمناطق يتهدد الاستقرار الاجتماعي للعالم. وكما استنتج ع. قبرصي: "يصعب أن يعتقد أن بالإمكان إحباط آثار الفقر والبطالة والتوتر الاجتماعي الناجمة عن العولمة. وفي نهاية الأمر ستحصل هجرة واسعة النطاق وغير شرعية، وسيكون هناك لاجئون تائهون في البحار، وتعاطٍ للمخدرات وإرهاب وعنف سياسي واجتماعي. والدنيا المتعولمة مستمرة في التحول إلى حيز عالمي أقل استقراراً وأماناً[31].
وترتبط القدرة التنافسية للقوى العاملة، على المستوى العالمي، ارتباطاً مباشراً بالإنتاجية. وفي الدنيا المعولمة، يمكن للفرد، إما أن يكون مؤهلاً للتنافس مع قطاع السوق العالي الإنتاجية، الذي يتسم ببيروقراطية تتضاءل وبهيكلية تقل فيها درجات التراتب، وتحل فيه الآلات الذكية محل العمل الجسدي التكراري، وإما أن ينضم إلى القوى العاملة المنخفضة الأجور والمنقوصة العمالة. ويقول كاستلز أن من خصائص هذا التحول في البنية الوظيفية بروز فئات اجتماعية ذات مستوى تعليمي رفيع تضم علماء ومديرين لهم أهمية بالغة ويتوقع أن تزداد أعدادهم المطلقة ازدياداً ملموساً وأن يكتسبوا أهمية استرتيجية في المنظمات والمجتمع[32].
وهناك عدة بحوث مستفيضة تتناول طبقات القوى العاملة العالمية الناشئة. فعلى سبيل المثال، تكهن راتينوف بظهور أربع طبقات تكونها شبكات العمال. فالشبكة الأولى تضم الذين يسيرون الأعمال على المستوى العالمي في الشركات المتعددة الجنسيات، وهؤلاء سيستمرون في كسب أعلى معدلات العائدات، وتقاضي أكبر الأجور، واستخدام أفضل الموظفين، والعمل من دون قيود يفرضها عليهم محيطهم المباشر. والفئة الثانية تتكون من إداريين حسني المؤهلات ومقدمي خدمات إنتاجية محلية توظفهم الشركات المتعددة الجنسيات في جميع أنحاء العالم. أما الشبكة الثالثة فتتكون من مجموعة أنشطة جغرافية التوجه لابد منها لإمداد المستهلكين المحليين بالسلع والخدمات. وتبقى أخيراً شبكة قليلة الإنتاج تؤمن الإمدادات لمجموعة كبيرة من الأيدي العاملة غير الماهرة أو شبه الماهرة[33].
وتختلف الأهمية النسبية لكل من الشبكات وفقاً لمرحلة التقدم التقني التي قد بلغها البلد المحدد، ولقدرة هذا البلد في مجالي الإنتاج واستيعاب التكنولوجيا، ولطبقاته الاجتماعية. وفي البلدان الأكثر تقدماً، تمثل القطاعات العالمية جزءاً من الاقتصاد أهم مما يمثله في البلدان النامية. أما في البلدان المتقدمة النمو، فالروابط التي تربط بين الشبكة العالمية الكثيرة الإنتاج وشبكة الإنتاج الموجه محلياً تظهر أوضح، وتعزز الوحدة الطبيعية للمصالح، في حين لا تنشأ في البلدان النامية إلا روابط قليلة يتضاءل معها الازدهار العام الذي تحفزه العولمة. وتتصل غالبية الوظائف التي تخلق في هذه البلدان بتلبية احتياجات الاستهلاك المحلي وتواجه تحديات هائلة عند تطبيق قواعد منظمة التجارة العالمية ولذلك لن يكون هناك مفر من أن تؤدي إلى تهميش هذه البلدان.

4.    العمل النقابي في ظل العولمة

اضطلعت الحركة النقابية بدور ريادي في كبح جماح الرأسمالية المتوحشة وهي في أوج عنفوانها، فقد كان العمل قد تحول مع قدوم الرأسمالية إلى نوع من السخرة والعبودية الجديدة، وأضحى جحيماً لا يطاق يمحق إنسانية العامل ويختصر عمره ويقضي عليه بالموت في الخمسين بعد أن يكون قد شاخ في الأربعين. ناضلت الحركة النقابية ونجحت في أن تجعل العمل أكثر إنسانية وفي تقصير ساعات العمل والرفع من الأجور، بعدما كان قانون العرض والطلب هو المتحكم فيها، وناضلت من أجل أن تضمن زيادات دورية في الأجور بتزايد الإنتاج وتزايد الأسعار، ونجحت في تحريم تشغيل الأطفال في مصانع الغزل والنسيج والقطن وفي تحريم تشغيل النساء داخل مناجم الفحم، وفرضت على المشغلين تأمينات للعمال ضد المرض وإصابات العمل وتأمينات للشيخوخة والتقاعد والبطالة. لقد استطاعت المنظمات النقابية باختصار أن تتحدى أولئك الذين كانوا يعتقدون أن السوق ينبغي أن يكون هو الآلية الوحيدة للتوزيع الاقتصادي، وأسهمت في بناء مفهوم "المواطنة الاجتماعية" القائمة على أنظمة الحماية الاجتماعية، كما عملت على اضفاء الطابع الإنساني على العمل واعطاء الرأسمالية أيضا طابعا أكثر تحضراً.
غير أنه مع هبوب رياح العولمة واقتصاديات حرية السوق دخلت الحركة النقابية في أزمة حادة، جعلت البعض يتحدث عن نهاية العصر الذهبي للنقابات.. فهل الأمر كذلك؟.. هل انتصرت العولمة ومصالح الشركات الكبرى متعددة الجنسية على إرادة الشعوب والطبقة العاملة، وطموحها المتواصل نحو تحسين ظروف عيشها والمحافظة على مكتسباتها؟... أي وضعية للعمل النقابي في دول الغرب؟.. وأي دور أصبح يضطلع به؟.. وماذا عن دور العمل النقابي في الدول الأقل تقدماً.
هل يمكن القول إنه مع العولمة ومتقضياتها المختلفة من تحرير للأسواق المالية ومن تبادل حر وفرض إعادة هيكلة على بعض الاقتصادات وهيمنة الشركات المتعددة الجنسية وتراجع دور الدولة وقدرتها على التدخل من أجل إقامة التوازن بين الفئات الاجتماعية وحماية العمال وضمان حقوقهم؟.. إنه مضى ذلك الزمن الذي كانت فيه النقابات تفرض شروطها باعتبارها قوة ضاغطة لا يستهان بها.
قد تقودنا كثير من المؤشرات في الدول العريقة في العمل النقابي إلى تأكيد هذا الاستنتاج. فالناظر إلى واقع العمل النقابي في بعض الدول الأوروبية يرى أن بعض هذه الدول قد اختارت في مواجهة تفشي البطالة استراتيجية الأجور المخفضة (بريطانيا الولايات المتحدة)، كما يلاحظ أن مقتضيات اتفاقيات "ماستريخت" القاضية باعادة هيكلة الموازنات المالية للدول الأوروبية، إضافة إلى الضغوط المتزايدة التي يمارسها أرباب العمل الذين يطالبون بمزيد من إعمال مبدأ مرونة سوق العمل، وتهديدهم بنقل رساميلهم إلى بلاد أوروبية تتوفر فيها شروط أكثر مناسبة لمصالحهم.. كل ذلك أصبح يخلق صعوبات متزايدة في مجال التأطير النقابي. يضاف إلى ذلك أن الأحزاب الاشتراكية الأوروبية التي كانت حليفاً سياسياً تاريخياً للطبقة العاملة قد أصبحت هي الأخرى متحمسة لـ "إيديولوجيا السوق" ولتطبيقها حماسة تفوق أحيانا من حماسة الأحزاب الليبرالية. والنتيجة أن فقدت الحركة النقابية بريقها وسلطتها وأصبحت أكثر ضعفا في مواجهة الرياح العاتية للعولمة، كما تدل على ذلك نسبة الانتساب النقابي في العديد من الدول الأوربية وغيرها من الدول في منظمة الأمن والتعاون الاقتصادي OCED، وهو ما يوضحه الجدول رقم (1) الذي يبين أن معدل الانتساب إلى النقابات العمالية في معظم الدول قد تراجع بشكل حاد بدأً من عام 1980. ووصل إلى مستويات في عام 2008 أقل بكثير عما كانت عليه في الستينات  من القرن العشرين (انخفضت من 31% تقريبا في الولايات المتحدة في عام 1960 إلى 12% تقريباً في عام 2008). ويستثنى من ذلك بعض الدول الاستكندنافية التي تحسنت فيها معدلات الانتساب (وصلت في ايسلندا إلى 86% في عام 2008 مقابل 57% في عام 1980). وبشكل عام تراجع معدل الانتساب إلى النقابات في دول OCED من 33% تقريبا في عام 1960 إلى 17.8% في عام 2008.
وعلى الرغم من أن الأرقام تنطق بحقيقة تراجع دور النقابات على العموم بما في ذلك الدول التي صمدت فيها النقابات إلا أن هناك استثناءات واضحة، كما هو الشأن في النموذج السويدي (بلغ معدل الانتساب ذروته في السويد عام 83% عام 1988، وانخفض تدريجياً إلى 68% عام 2008) حيث نلاحظ تزايداً مضطرداً في درجة الانتساب النقابي وذلك راجع إلى نظام السياسات الاجتماعية للدولة في السويد (الدولة الراعية)  القائمة على أساس التضامن في الأجور والتي يتم الحوار فيها على المستوى الوطني، الشيء الذي يؤدي إلى منح تعويضات عالية دون المساس بمنافسة المقاولة، تلك المنافسة التي يتم ضمانها من خلال الاستثمار المنتج والتشغيل الكامل وتمويل سياسات نشطة في مجال التدريب وإعادة التأهيل المستمر للعمال.
غير أن النموذج المذكور يعاني هو الآخر من صعوبات وضغوط من قبل الشركات المتعددة الجنسية التي استطاعت أن تنال من سياسة التضامن في الأجور وذلك من خلال التهديد بتحويل رساميلها إلى دول أخرى داخل الاتحاد الأوروبي.
وقد استطاع النموذج الألماني هو الآخر أن ينجو نسبياً من الأزمة المذكورة وذلك من خلال المزاوجة في نفس الوقت بين الدفاع عن الأجور المرتفعة وبين حث العمال على بذل مزيد من الجهد في مجال الانتاج والإنتاجية وفي مجال تنظيم العمل والتمرن واستخدام التكنولوجيات الجديدة، والدخول في نوع من الشراكة والتسيير الجماعي للمعامل والمقاولات وهو ما استفاد منه العمال وأرباب العمل أنفسهم.
ويبقى النموذج الصارخ لتأثير الخضوع المطلق لمقتضيات العولمة على الحقل النقابي هو النموذج البريطاني. فقد قادت الطبيعة غير المركزية للحركة النقابية البريطانية إلى تغذية منطق نقابي عمالي "شعبوي" أسهم في خلق صعوبات جمة للصناعة البريطانية. وقد تصدت "مارغريت تاتشر" إلى هذا المنطق واستطاعت تحجيم الحركة النقابية من خلال سياساتها الليبرالية التي أعطت الأولوية للتوازنات المالية وللتحويلات والاستثمارات الأجنبية، وهو ما أدى إلى كسر العمود الفقري للقطاعات الاقتصادية التي كانت تنشط داخلها النقابات البريطانية، مما قاد هذه الأخيرة إلى مراجعة تصوراتها ومقارباتها النقابية القائمة على أساس الصراع مع المشغلين وتوجيه أنشطتها نحو قطاعات كانت مهملة مثل النساء والقطاعات الخدمية[34].
وهكذا وجدت الحركة النقابية البريطانية نفسها قد أضعفت اقتصادياً، كما وجدت نفسها مكشوفة سياسياً حيث لم يعد بإمكانها التعويل على الغطاء السياسي لحزب العمال، ومن ثم لم يعد في يدها سوى المراهنة على الورقة الأوروبية أي على البعد الاجتماعي للاتحاد الأوروبي.
أما في فرنسا فرغم حجم الحركة الاحتجاجية في عام 1995 وفي عام 2010 والتي عادت بالنقابات إلى الواجهة، فإن العمل النقابي يشكو من عدة صعوبات ومنها: تخلي الاشتراكيين المشدوهين بـ "الحداثة" عن العمال وحركتهم ومعاركهم الاجتماعية، مراهنة الحركة العمالية على تدخل الدولة من أجل فرض حلول على تنظيمات أرباب العمل تمكن من الحد من تعسفهم. ومن تعويض حضورهم على الساحة العمالية بحضور في المؤسسات التمثيلية القانونية (لجان المقاولات، اللجان الثنائية، الانتخابات المهنية..).
وباختصار فإننا نستطيع أن نحدد أثار العولمة على الحركة النقابية الأوروبية، وهو ما ينطبق أيضاً على الحركة النقابية في مختلف البلدان والتجمعات الإقليمية فيما يلي:
·   ارتفاع الدعم السياسي لأحزاب اليسار الأوروبي التي اندمجت في الأطروحات العولمية ومن ثم صعوبة المراهنة على هذه الأحزاب في دعم الحركة النقابية.
·   ظهور فئات اجتماعية جديدة ذات ارتباط بالاقتصاد الجديد لم تعد مصالحها تلتقي على مصالح الطبقة العاملة ومن ثم لم تعد تجد نفسها في التمثيليات النقابية القديمة.
·   تضاؤل هامش المناورة والتدخل الحكوميين في مجال فرض شروط في صالح الطبقة العاملة وميل هذه الحكومات إلى الانبطاح أمام شروط الباطرونا الداخلية تحت دعوى توفير شروط تمكن من المنافسة للرأسمال العالمي، وميل هذا الأخير أيضا إلى إملاء شروط تحت طائلة التهديد بالهجرة إلى بلاد أخرى توفير شروطا أحسن.
·   ظهور أطروحات جديدة في الحقل النقابي أطروحات تدعو إلى مفاهيم جديدة، مثل مفاهيم الشراكة والتسييس الجماعي وإعادة التأهيل والتكوين للعمال كزيادة الإنتاجية من أجل حماية مكتسبات العمال في مجال الأجور واستمرارية العمل.


 ثالثاً: إعادة الهيكلة والإصلاح الاقتصادي وتأثيرها على علاقات العمل

تتضمن المكونات الرئيسية لسياسات إعادة الهيكلة، التي تفرضها منظمتا بريتون وودز (صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي) على الدلو المدينة التي أعسرت ولم يعد بإمكانها تسديد ديونها وتلك الدول التي تتقدم بطلبات لتمويل عجوز موازين مدفوعاتها المزمنة من صندوق النقد الدولي أو لتمويل ماريع إنمائية تنوء عنها إمكاناتها من مجموعة البنك الدولي، تتضمن مجموعة من الإجراءات المتعلقة بالقطاع العام وقطاع التجارة الخارجية والسياسة المالية.
ففيما يتعلق بالقطاع العام تتضمن سياسات إعادة الهيكلة النقاط التالية[35]:
1-       رفع الدعم عن المواد الغذائية
2-       رفع الدعم عن الخدمات العامة
3-       تحديد دور الحكومة وقصره على توفير الخدمات الأساسية
4-       التخلص من الشركات العامة التي لا تحقق أرباحاً
5-       زيادة أسعار الخدمات الحكومية بحيث تعكس تكلفتها الحقيقية
6-       التوقف عن توظيف الخريجين
7-       خصخصة الشركات العامة

أما ما يتعلق بقطاع التجارة الخارجية فتتضمن برامج إعادة الهيكلة النقاط التالية:
1-       تحرير التجارة عبر إلغاء الحماية وتشجيع الصادرات
2-       توفير مناخ يشجع الاستثمار الأجنبي

وفيما يخص مكونات هذه البرامج في المحور المالي، فإنها تشترط:
1-       فرض ضرائب جديدة
2-       تخفيض قيمة العملة
3-       منح حوافز جديدة للاستثمارات الخاصة.

إن تطبيق هذه التدابير سيكون لها آثار تدميرية هائلة على العمالة وعلى سوق العمل وستؤدي على تعميم الفقر وتعميق التضخم.
 ومن نتائج إعادة الهيكلة والإصلاح الاقتصادي، على الطريقة المفندة أعلاه، على الطبقة العاملة ما يمكن استكشافه من خلال ما تقدم، ونعني بذلك أن هذه التدابير تنطوي على تدابير انكماشية مثل فرض حد أقصى للائتمان ورفع أسعار الفائدة، مما يعيق الاستثمار في مشاريع جديدة يعول عليها في توليد فرص عمل جديدة. ومن التدابير المعتمدة تخفيض الإنفاق العام وتخفيض الاستخدام في الحكومة وشركات القطاع العام. ويشمل هذا توقف الحكومة عن ضمان العمالة للخريجين؛ كما يترتب على خصخصة الشركات العامة على المدى القصير تسريح الفائض من اليد العاملة التي تم توظيفها عندما كانت الحكومة تضمن توفير العمالة.
وتشير الشواهد والدراسات إلى أن هناك تذمراً من نتائج هذه الإجراءات والسياسات الإصلاحية. فقد تساءل مويتاني رئيس اتحاد عمال زمبابوي ZCTU "عندما يعلم المرء أن الموظّف في أفريقيا يُطعم 5 أو 6 أشخاص، فكيف لمؤسسات بريتون وودز أن تتحدّث عن تخفيف الفقر عبر المطالبة بتسريح 25% من الموظّفين الحكوميّين؟" ويضيف بيتر بافكيس: "عندما يطلب صندوق النقد الدولي من بلغاريا أن تخفّض الرواتب أكثر ممّا هي عليه، فلا يمكن اعتبار ذلك من إجراءات تخفيف الفقر". ويشير لويس أندرسون إلى مثال كولومبيا: "في هذا البلد الذي يرزح تحت وطأة الحرب، حيث يخاف العمال على حياتهم، طلب صندوق النقد الدولي من الحكومة أن تُبدي مزيداً من المرونة في سوق العمل! ولكن، إلى أين سيؤدّي بهم هذا؟"[36]
إن نجاح عملية إعادة الهيكلة تتطلب، على صعيد القوة العاملة، تبني مفهوم جديد للعمالة يراعي التجزوء في أسواق العمل حيث تشكل العمالة الناقصة وامتداد فترة البطالة المتغيرين الرئيسيين. ولا بد من تدابير جديدة لتقييم إنتاجية اليد العاملة استناداً إلى مستوى مهاراتها والوظائف التي سبق أن قامت بها. والانخفاض في مستوى الأجور وزيادة الوظائف غير الثابتة وظهور طبقة متدنية من العمال، واشتداد حدة الإحباط الاجتماعي والإقصاء الاجتماعي، جميعها أمور تساهم في نمو البطالة.


الاستنتاجات والتوصيات

تبين لنا من الصفحات السابقة أن المتغيرات الدولية التي حدثت خلال الفترة من بداية التسعينيات إلى الآن قد أثرت تأثيراً عميقاً على سوق العمل وبالتالي على علاقات العمل الجماعية سواء في البلدان المتقدمة أو في البلدان النامية ومنها بلداننا العربية.
وأبرز هذه التأثيرات ما تسعى الشركات المتعددة الجنسية إليه من تكوين جيش احتياطي من العاطلين عن العمل تستخدمه في الضغط على النقابات ومنتسبيها بهدف فرض شروطها فيما يتعلق بالأجور وساعات العمل وقواعد التسريح والمزايا المختلفة.
وقد لاحظنا أن هذه الشركات، بما أتاحته الأدوات العولمية الأخرى، تمتلك قدرات كبيرة في الضغط على النقابات وعلى العمال من خلال التهديد المستمر بالانتقال إلى بلدان أخرى تقبل طبقتها العاملة بعلاقات استخدام أكثر مرونة وتمتاز بمهارات مناسبة.
كما لاحظنا أن السياسات التثبيتية التي يفرضها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لها آثار مدمرة على الطبقة العاملة. ويتبين ذلك من خلال التحليل الذي قدمه رفكين إذ قال: "إن العاطلين عن العمل والمنقوصي العمالة، الآخذين في التزايد، سيجدون أنفسهم غارقين في الطبقة التي ستظل متدنية. وسيتجه كثيرون، وقد يأسوا، إلى القطاع غير الرسمي لحفظ بقائهم. وسيقايض بعضهم عملاً مؤقتاً بطعام ومأوى. وسيتورط غيرهم في السرقة والجرائم الصغيرة. وسيتواصل ازدياد المتاجرة بالمخدرات وإلغاء، وسيسعى ملايين الناس... وقد تخلى عنهم مجتمع لم يعد يحتاج أو يريد عملهم، إلى تحسين قسمتهم ونصيبهم في الحياة. وسيتم تجاهل صرخاتهم المستغيثة، بينما تشد الحكومات الحزام وتنقل أولويات إنفاقها من الرعاية الاجتماعية وتهيئة فرص العمل إلى تدعيم الأمن الذي تحفظه الشرطة وإلى بناء المزيد من السجون"[37].
وفي هذا الصدد نجد أنه من المناسب الأخذ بالتوصيات التالية:
1-   لابد من العودة إلى صيغة التنمية الاقتصادية والاجتماعية على الصعيد الوطني كبديل لصيغة النمو الاقتصادي، وإعادة الهيكلة والتثبيت الهيكلي.
2-   لابد من ن تلعب النقابات دوراً تاريخياً وخاصاً في هذه المرحلة من خلال توحدها عبر طرح جديدة مناهضة للعولمة أو لصيغة عولمة أكثر إنسانية.
3-   ينبغي ممارسة كافة الوسائل الممكنة من أجل قطع الطريق أمام الشركات المتعددة الجنسية التي تسعى إلى إعادة تشكيل منظومات وقواعد الاستخدام الجماعية.
4-   الإصرار على رفض مشاريع الإصلاح الاقتصادي بصيغة التثبيت الهيكلي والتي تتضمن فيما تتضمن، فرض تشريعات تتيح مزيداً من مرونة أسواق العمل أو إعادة صياغة قواعد الاستخدام الجماعية وقوانين العمل لجهة إلغاء الحد الأدنى للأجور والتساهل بإجراءات التسريح وغيرها.


المراجع

المراجع العربية

·        الإسكوا: الأثر الاجتماعي لإعادة الهيكلة مع تركيز خاص على البطالة، نيويورك، 2000.
·        الاسكوا: العولمة وأسواق العمل في منطقة الاسكوا, نيويورك, 2002 .
·        برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: تقرير التنمية البشرية لعام 1999
·        جاردنر، إدوار: مطلوب مزيد من الوظائف، التمويل والتنمية، آذار /مارس 2003، صندوق النقد الدولي، نيويورك.
·        حربي، رسول راضي: دور الشركات متعددة الجنسية في تعميق الاختلالات الهيكلية في اقتصادات الوطن العربي، في المؤتمر الرابع عشر لاتحاد الاقتصاديين العرب، دمشق 2002.
·        صامويل غروميو: بريتون وودز والنقابات العمالية-بناء حوار، مجلة عالم العمل،العددان 41 و42، حزيران / يونيو 2002، من الأنترنيت: http://www.ilo.org/public/arabic/region/arpro/beirut/infoservices/wow/wow2002-03/issue41-42/index.htm
·        ع.ع. قبرصي, التنمية البشرية المستدامة في ظل العولمة: التحدي العربي, سلسلة دراسات التنمية البشرية رقم 10.
·        كريّم، كريمة:الأمن الاقتصادي العربي وتحديات العولمة: في المؤتمر العلمي الرابع عشر لاتحاد الاقتصاديين العرب، دمشق 2002

المراجع الأجنبية

·        Camdessus, Michell(1998) "Toward a New Financial Architecture for Globalization World" address of the Managing Director of the International Moetary Fund, at the Royal Institute of International Affaris, London, May 8.
·        Cynthia Hewitt de Alcantora, Global Vision (Blackwell, Oxford and Cambridge, 1996).
·        Fergany, N. "Two Curial Challenges to Human Development In The Arab Region: Governmence Reform and Knowledge Acquisition, paper presented to the Arab Planing Institute conference on Arab Development Challenges of the New Millennium, 2000. 
·        G. Ross. Noblesse et Miseres du syndicalisme - le monde diplomatique - janvier 1996-.
·        Headd, Keith (1997) "Lecture2: Globlization-Definition, Evidence, Mechanisme", April 23, World Wide Web. http://pacific.commerce,ubc.ca/keith/lectures/mne2.html
·        ILO, Life at Work in the Information Economy (ILO, Geneva, 2001)
·        Jeremy Rifkin, "The End of Work, The Decline of the Global Labor Force and the Dawn of the Post-Market Era, New York, Tacher/Putnam, 1995.
·        Luis Ratinoff, "Global insecurity and education: the culture of globalization", Prospects, vol. XXXV, No. 2, June, 1995.
·        Luuers, R. F. M(1998) "The Dunamic of Globalization, Tilburg University Seminar,
·        Oliner and D. Sichel, "The resurgence of growth in the late 1990s: Is information technology the story" Journal of Economic Prespectives, vpl. 14, No.4(2000).
·        Robert Reich, The Work of Nations: Preparing Ourselves for 2Lst century Capitalism (Random House, New York, 1992).
·        unctad(1998, 1999,2000), Annual Trade and Development Report and World Investment Report.
·        [1]UNRISD, "Visible hands" (Geneva, 2000).       



ملحق

وظائف المستقبل
1-    الوظائف المتصلة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات (وهي تمثل أكثر من وظائف المستقبل)
        ‌أ-    اختصاصي في أمن شبكة الإنترنت :بسبب فيروسات الحاسوب واعتداءات المتلاعبين أصبح الأمن اختصاصاً هاماً وتتجه متطلبات التحقيق الصارم في خلفية المرشحين إلى جعل الوظائف أمراً عسيراً
                ‌ب-       مهندسو الربوتات: ستدعو الحاجة إلى مهندسين لبناء ربوتات تقوم بكل عمل من تجميع الآليات إلى رعاية المسنين
       ‌ج-   اختصاصيو اتصالات وحوسبة: يشير هذا المصطلح إلى الصناعة الجديدة القائمة على تجهيز السيارات بقدرات إلكترونية ويتكهن المحلون بإن84 في المائة من السيارات التي ستباع في عام 2005 ستهيأ بهذه الطريقة وتقتضي وظائف هذا الاختصاص الجمع بين مهارات الاتصالات والحوسبة
        ‌د-    مبتكرون في مجال الاتصالات اللاسلكية: سيصبح الاتصال بالإنترنت لاسلكياً والطلب يزداد على مبرمجين ومهندسين ملمين بهذا الترميز الغامض بعض الشيء
        ‌ه-    موظفو الدعم التكنولوجي: ليست التكنولوجيا بلا عيوب وهناك حاجة إلى عاملين مهرة يستطيعون التصدي للمشاكل المحيطة ويقدر أن وظائف الدعم المحوسب ستزداد بنسبة222 في المائة بحلول عام 2008
                  ‌و-         مستخرجو بيانات: ستدعو الحاجة إلى باحثين لاستخراج معلومات مفيدة من أكداس أنواع البيانات على أنواعها
2-    وظائف غير متصلة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات تعتمد غالبيتها على التكنولوجيات الجديدة:
             ‌أ-          مهندسو اختصاصات قائمة على المعرفة: سماسرة للذكاء الاصطناعي يحولون الدراية إلى برمجيات
    ‌ب-   مهندسو أنسجة: الجلد الاصطناعي موجود الآن في الأسواق والغضاريف ستليه عما قريب والباحثون استحدثوا أنواعاً جديدة من الأمعاء من بطون الحيوانات وقد بدأ العمل على بناء أنسجة الكبد والقلب والكلية
     ‌ج-   فنانو برمجة: يستلزم فن الرسوم المعتقد على أحدث التقنيات والمنتشر استعماله في مجال الصور المتحركة في هوليود كماا تستلزم ألعاب الحاسوب فنانين هم في الوقت نفسه مبرمجو حواسيب وتتكهن وزارة العمل في الولايات المتحدة بأن استخدام الفنانين التجاريين سيزداد بحلول عام2008 بنسبة25 في المائة مدفوعاً جزئياً بازدياد الطلب على مواهب المعالجة الرقمية
     ‌د-    مدرسو تكنولوجيا: مع تزايد استخدام التكنولوجيا في جميع الصناعات هناك حاجة إلى معلمين إضافيين للبالغين يلقنون العمال مهارات الاستمرار في العيش
     ‌ه-    مبرمجو جينات: ستتيح خرائط الجنيوم الرقمية للفنيين إيجاد مواصفات على الطلب مع تغيير الجينات الفردية باعتماد كتابة جديدة لسطور الرموز المحوسبة وبعد فحص مسحي للحمض النووي(DNA) للوقوف على أوجه الخلل يستخدم الأطباء علاج الجينات والجزيئات "الذكية" للوقاية من أمراض متنوعة منها بعض أنواع السرطان
     ‌و-    صيادلة زراعيون: يهيئون محاصيل ومواشي مهندسة جينياً لإنتاج بروتينات علاجية ويشمل العمل الجاري الآن نوعاً من الطماطم المحتوية على لقاح وحليباً حاملاً للأدوية ومستخرجاً من البقر والنعاج والماعز.
3-    الوظائف التي ستزول:
    ‌أ-    سماسرة البورصة ووكلاء السيارات وسعاة البريد ووكلاء التأمين والعقارات فالإنترنت ستقضي على وظائف الوسطاء بالملايين ولن يبقى إلا قلة شجاعة لخدمة جاهلي الحوسبة
   ‌ب-   المدرسون: يزداد التعلم عن بعد رواجاً ومع أن التحول الكامل غير محتمل فقد يتبين أن اعتماد نظام التعليم على موارد خارجية هو خيار فيه ادخار
    ‌ج-   الطابعون: مع تحول الصحف اليومية والمجلات إلى صحائف رقمية تتسابق شركة زيروكس(Xerox) وغيرها من الشركات التي لها قدرة جيدة على التوقع إلى إنتاج مادة لها مرونة الورق العادي وتعدد الإمكانات المتنوعة التي تنطوي عليها شاشة الحاسوب
    ‌د-    المختزلون: ستحل البرامج المتطورة لتمييز الصوت آلياً محل كتبة محاضر المحاكم وكثير من السكرتيرين ومساعدي المسؤولين التنفيذيين
    ‌ه-    الموظفون التنفيذيون الرئيسيون: سيكون اتخاذ القرار في أعلى قمة الهرم الوظيفي عملية مربكة وسيضطلع فريق عالمي من الخبراء السريعي التفكير بنقل الشركات إلى عصر الإنترنت وما بعده
    ‌و-    الأسفار: سيكون في الطرق العامة الرئيسية مجازات "ذكية" تتيح لمركبات موجهة بالحاسوب أن تسافر متلاصقة في تتابعها وسريعة جداً وسيزول الازدحام من طرق ضواحي المدن لأن السيارات ستستخدم أجهزة لاستشعار الازدحام ترشدها إلى مسارات بديلة.




جدول رقم 1

نسبة الانتساب النقابي في منظمة التعاون الاقتصادي OCED
Country
1960
1980
1990
2000
2008
Australia
50.2
48.7
40.0
24.7
18.6
Austria
67.9
56.7
46.9
36.6
28.9
Belgium
41.5
54.1
53.9
49.5
51.9
Canada
29.2
34.0
34.0
28.3
27.1
Chile
. .
. .
18.2
13.5
13.6
Czech
Republic
. .
. .
. .
29.5
20.2
Denmark
56.9
78.6
75.3
74.2
67.6
Finland
31.9
69.4
72.5
75.0
67.5
France
19.6
18.3
10.3
8.1
7.7
Germany
34.7
34.9
31.2
24.6
19.1
Greece
. .
. .
34.1
26.5
24.0
Hungary
. .
. .
. .
21.7
16.8
Iceland
. .
57.6
79.0
81.7
. .
Ireland
43.1
54.3
48.5
38.4
32.3
Italy
24.7
49.6
38.8
34.8
33.4
Japan
32.3
31.1
25.4
21.5
18.2
Korea
. .
14.7
17.2
11.4
10.3
Luxembourg
. .
50.8
46.4
42.5
37.4
Mexico
. .
. .
. .
16.9
. .
Netherlands
40.0
34.8
24.3
22.9
18.9
New
Zealand
. .
69.1
49.5
22.3
20.8
Norway
60.0
58.3
58.5
54.4
53.3
OECD area
33.6
32.8
26.0
20.4
17.8
Poland
. .
. .
54.8
24.2
15.6
Portugal
. .
54.8
28.0
21.6
20.4
Slovak
Republic
. .
. .
. .
32.3
16.8
Spain
. .
. .
12.5
16.7
14.3
Sweden
72.1
78.0
80.0
79.1
68.3
Switzerland
36.1
27.7
22.7
20.8
18.3
Turkey
. .
. .
19.2
9.9
5.8
United
Kingdom
38.9
49.7
38.2
30.2
27.1
United
States
30.9
22.1
15.5
12.8
11.9
Source: Trade union density (%) in OECD countries, 1960-2008; OECD estimates. On website:  http://www.oecd.org/dataoecd/37/2/35695665.pdf
.


مجموعة مفارقات على مستوى العمل النقابي:
                                 
+ المفارقة الأولى، أن الممارسة النقابية التي كانت إلى حين عهد قريب تندد بسياسات الخوصصة والتحرير وإعادات التقنين، أصبحت (بعد أن أضحت هذه السياسات أمرا واقعا) تؤمن أشد ما يكن الإيمان بضرورات المسايرة والتأقلم والانضباط.
بالتالي اصبحت مصطلحات من قبيل "المقاولة المواطنة" و"النقابة المواطنة" وغيرها، أصبحت مكمن توافق بين الفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين على اعتبار "أن نجاح المقاولة هو من نجاح عمالها ونقابييها، وتفاني هؤلاء هو من بريق المقاولة وإشعاعها واستمرار المشروع" بهذه الصيغة أو تلك.

يبدو إذن ولكأن هناك توافقا ضمنيا (وإن لم يتمظهر جليا على مستوى الممارسة) بين البعد السياسي والاقتصادي من جهة والبعد الاجتماعي والنقابي من جهة أخرى لدرجة يخال للمرء معها أن هذه الأبعاد هي رافد من روافد المشروع المجتمعي الجديد في ظل انتقال رأس المال من الطبيعة الإنتاجية المتعارف عليها إلى طبيعة مالية خالصة لا تعتبر المضاربات إلا جزءا منها.

هذه مفارقة جوهرية فيما نعتقد، إذ الممارسة النقابية التي كانت تدعي امتلاكها لمشروع مجتمعي أصبحت تابعة لمشروع مجتمعي المطلوب منها تبنيه وتزكيته والبناء عليه بحكم موازين القوى وإكراهات الأمر الواقع.

+ المفارقة الثانية وتكمن فيما نتصور في أن الإشكال زمن العولمة لم يعد كامنا بالضرورة  في مبدأ الممارسة النقابية (بما هي شرعنة لما يطلق عليه الديموقراطية التشاركية) بقدر ما أصبحت كامنة في الأدوات المستخدمة والموظفة.
معنى هذا أن ضروب الاحتجاج على ممارسة رأس المال مثلا (من إضراب واعتصامات وشد الحبل كما يقال) لم تعد ذات جدوى كبرى في ظل ممارسات ينخرط في ظلها العامل أو الأجير في رأس مال المقاولة أو يساهم في تحديد استراتيجيتها.
ومعناه أيضا أنه مادام الأجير له مصلحة في ربحية ومردودية المقاولة فإنه يندغم وإلى حد ما في سياستها وفي طبيعة اختياراتها.

بالتالي، فالممارسة النقابية أصبحت لا تعمد فقط إلى مبدأ الرفض والمواجهة تحت هذا الشكل أو ذاك، بقدر ما أصبحت تؤمن بضرورة نهج سياسة اقتراحية هي في المحصلة أقرب إلى سياسات رأس المال منها إلى الفلسفة التي حكمت العمل النقابي إلى حين عهد قريب...بدليل أنها أصبحت متفقة على مسوغات عدة من قبيل أن المهندس مثلا مطالب بخلق مناصب شغل لا المطالبة بالشغل.

+ المفارقة الثالثة التي وضعت العمل النقابي زمن العولمة في المحك وتكمن فيما نزعم في أن الكل (أرباب عمل ودولة ونقابات) ..الكل أصبح لا يحتكم إلى مبدأ التقنين (الذي ساد عهود القطاع العام والمرفق العام) بل إلى مبدأ التنظيم الذي أصبح للسوق فيه الكلمة الأولى والأخيرة إذا لم نقل الفصل.
بالتالي فالسوق لم يعد مكمن طقوس العرض والطلب التقليديان بل أصبح فضاء لتحديد منظومة العلاقة بين رب المقاولة والأجير. وهذا إشكال يضع التقنين في المحك ودور الدولة في الميزان أكثر من أي وقت مضى.
يحيى اليحياوي: مداخلة باليوم الدراسي "الممارسة النقابية بالمغرب: التجارب، التحولات وتحديات العولمة"، جمعية الوفاء للديموقراطية، الرباط، 29 يونيو 2003، جريدة العلم، 24


[1] - نسبة إلى الأمم المتحدة
[2] - برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: تقرير التنمية البشرية لعام 1999
[3] - Luuers, R. F. M(1998) "The Dunamic of Globalization, Tilburg University Seminar,
[4] - Headd, Keith (1997) "Lecture2: Globlization-Definition, Evidence, Mechanisme", April 23, World Wide Web. http://pacific.commerce,ubc.ca/keith/lectures/mne2.html
[5] - Camdessus, Michell(1998) "Toward a New Financial Architecture for Globalization World" address of the Managing Director of the International Moetary Fund, at the Royal Institute of International Affaris, London, May 8.
[6] - كريّم، كريمة:الأمن الاقتصادي العربي وتحديات العولمة: في المؤتمر العلمي الرابع عشر لاتحاد الاقتصاديين العرب، دمشق 2202
[7] - الاسكوا: العولمة وأسواق العمل في منطقة الاسكوا, نيويورك, 2002 , ص8
[8] -unctad(1998, 1999,2000), Annual Trade and Development Report and World Investment Report.
[9] - حربي، رسول راضي: دور الشركات متعددة الجنسية في تعميق الاختلالات الهيكلية في اقتصادات الوطن العربي، في المؤتمر الرابع عشر لاتحاد الاقتصاديين العرب، دمشق 2002.

[10] - أنظر ع.ع. قبرصي, التنمية البشرية المستدامة في ظل العولمة: التحدي العربي, سلسلة دراسات التنمية البشرية رقم 10.
[11] -Oliner and D. Sichel, "The resurgence of growth in the late 1990s: Is information technology the story" Journal of Economic Prespectives, vpl. 14, No.4(2000).
[12] - المرجع السابق, ص5.
[13] - Jeremy Rifkin, "The End of Work, The Decline of the Global Labor Force and the Dawn of the Post-Market Era, New York, Tacher/Putnam, 1995, p. 237
[14] - Cynthia Hewitt de Alcantora, Global Vision (Blackwell, Oxford and Cambridge, 1996), p. 65
[15] تبحث دراسة بعنوان Mental health in the workplace: introduction (October 2000), أعدتها منظمة العمل الدولية، في هذه الأعراض في أوربا والولايات المتحدة، وتخلص إلى أن الصحة العقلية في عالم العمل هي في خطر.
[16] رفكين، المرجع السابق، ص210-214.
[17] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقرير التنمية البشرية لعام 1999.
[18]-  يمكن سحب رأس المال بين عشية وضحاها، فيبقى الناس بلا عمل، كما حدث في شرقي آسيا في عام 1997، عندما أفادت كل البلدان عن تآكل النسيج الاجتماعي وعبء حصول اضطرابات اجتماعية، مع ارتفاع مستويات الجرائم والعنف المنزلي (انظر: تقرير التنمية البشرية 1999، ص4 وخور المذكور سابقاً ص32).
[19]-  كاستلز، المرجع السابق، ص7.
[20] - برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقرير التنمية البشرية لعام 1999، ص36.
[21] - يجب أن نميز، في تحليل الاتجاهات الاجتماعية الناشئة مع العولمة، بين أربعة عوامل هي التفاوت، والاستقطاب، والفقر، والفقر المدقع أو البؤس. فالتفاوت يعني تملك أفراد أو فئات اجتماعية للثروة بصورة غير متكافئة. والاستقطاب هو عملية محددة للتفاوت تحدث عندما ينمو أعلى وأسفل سلم توزع الثروة، كلاهما، نمواً أسرع من نمو وسط السلم، والفقر هو معيار معرف مؤسسياً يحدد مستوى الدخل الذي يعتبره المجتمع ضرورياً للعيش وفقاً لمستوى قياسي مقبول. أما الفقر المدقع أو البؤس، الذي جرت العادة على تعريفه بأنه نسبة السكان الذين يعيشون دون 50% من خط الفقر، فهو مستوى معرف مؤسسياً تواجه عنده مشاكل في البقاء على قيد الحياة (انظر كاستلز، المرجع السابق، ص6-7).
[22] - برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقرير التنمية البشرية لعام 1999، ص3.
[23] - ILO, Life at Work in the Information Economy (ILO, Geneva, 2001)
[24] -  UNRISD, "Visible hands" (Geneva, 2000).                                              
[25] - Ibid, p10.
[26] - Fergany, N. "Two Curial Challenges to Human Development In The Arab Region: Governmence Reform and Knowledge Acquisition, paper presented to the Arab Planing Institute conference on Arab Development Challenges of the New Millennium, 2000. 
[27] - جاردنر، إدوار: مطلوب مزيد من الوظائف، التمويل والتنمية، آذار /مارس 2003، صندوق النقد الدولي، نيويورك، ص 19.
[28] - الإسكوا: العولمة وأسواق العمل في منطقة الإسكوا، نيويورك ، 2000، ص 35.
[29]-  لمزيد من التفاصيل عن أسلوب معيشة الطبقة الأولى، انظر ريفكين، المرجع السابق، ص176.
[30] - Robert Reich, The Work of Nations: Preparing Ourselves for 2Lst century Capitalism (Random House, New York, 1992), quoted in Rifkin, op. cit. 174.
[31] - قبرصي، المرجع السابق، ص26.
[32] - كاستلز، المرجع السابق.
[33] - Luis Ratinoff, "Global insecurity and education: the culture of globalization", Prospects, vol. XXXV, No. 2, June, 1995, P.158.
[34] - G. Ross. Noblesse et Miseres du syndicalisme - le monde diplomatique - janvier 1996-p15
[35] - الإسكوا: الأثر الاجتماعي لإعادة الهيكلة مع تركيز خاص على البطالة، نيويورك، 2000، ص20
[36] -  صامويل غروميو: بريتون وودز والنقابات العمالية-بناء حوار، مجلة عالم العمل،العددان 41 و42، حزيران / يونيو 2002، من الأنترنيت: http://www.ilo.org/public/arabic/region/arpro/beirut/infoservices/wow/wow2002-03/issue41-42/index.htm
[37] - Rifkin, Jeremy (1995): Ibid, p. 239.

هناك تعليق واحد:

  1. أود أن أعرب عن امتناني للسيد بنيامين لي على كل ما قدمه من مساعدة في تأمين قرضنا لمنزلنا الجديد هنا في Fruitland. لقد كنت منظمًا وشاملًا ومحترفًا ، فضلاً عن كونك لطيفًا مما أحدث كل الفرق في تفاعلاتنا معك. نضع ثقتنا فيك وأنت بالتأكيد جئت من أجلنا. نشكرك على سعة صدرك وكذلك معاملتنا كأشخاص وليس مجرد عملاء لقرض سكني. أنت تقف فوق البقية ، أود أن أوصي أي شخص هنا يبحث عن قرض أو مستثمرين بالاتصال بالسيد بنجامين لي وموظفيه لأنهم أناس طيبون ذو قلب لطيف ، السيد بنيامين لي ، اتصل بالبريد الإلكتروني: 247officedept@gmail.com



    مع تحياتي،
    جون بيرلي! قبعاتنا لك !! "

    ردحذف